كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ التَّوْبَةَ مَعَ الْإِصْلَاحِ تَقْتَضِي تَرْكَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالتَّوَّابِ الرَّحِيمِ، أَيِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ كَثِيرًا، وَيَعْفُو بِهَا عَنْهُمْ- عَقَّبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ شَرْطِ قَبُولِ التَّوْبَةِ فَقَالَ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ أَيْ إِنَّ التَّوْبَةَ الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى قَبُولَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِوَعْدِهِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ كَرَمِهِ، وَفَضْلِهِ لَيْسَتْ إِلَّا لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَالسُّوءُ: هُوَ الْعَمَلُ الْقَبِيحُ الَّذِي يَسُوءُ فَاعِلَهُ إِذَا كَانَ عَاقِلًا سَلِيمَ الْفِطْرَةِ كَرِيمَ النَّفْسِ، أَوْ يَسُوءُ النَّاسَ، وَيَصْدُقُ عَلَى الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ. وَالْجَهَالَةُ: الْجَهْلُ وَتَغْلِبُ فِي السَّفَاهَةِ الَّتِي تُلَابِسُ النَّفْسَ عِنْدَ ثَوْرَةِ الشَّهْوَةِ، أَوْ سَوْرَةِ الْغَضَبِ فَتَذْهَبُ بِالْحِلْمِ، وَتُنْسِي الْحَقَّ، وَالْمُرَادُ بِالزَّمَنِ الْقَرِيبِ: الْوَقْتُ الَّذِي تَسْكُنُ تِلْكَ الثَّوْرَةُ، أَوْ تَنْكَسِرُ بِهِ تِلْكَ السَّوْرَةُ، وَيَثُوبُ إِلَى فَاعِلِ السَّيِّئَةِ حِلْمُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ دِينُهُ وَعَقْلُهُ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى تَفْسِيرِ الزَّمَنِ الْقَرِيبِ بِمَا قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَنْفِي قَبُولَ تَوْبَةِ الَّذِينَ يَتُوبُونَ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بَيَّنَتِ الْوَقْتَ الَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ مُذْنِبٍ حَتْمًا، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ بَيَّنَتِ الْوَقْتَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ فِيهِ تَوْبَةُ مُذْنِبٍ قَطُّ، وَمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَهُوَ مَحَلُّ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، فَكُلَّمَا قَرُبَ وَقْتُ التَّوْبَةِ مِنْ وَقْتِ اقْتِرَافِ الذَّنْبِ كَانَ الرَّجَاءُ أَقْوَى، وَكُلَّمَا بَعُدَ الْوَقْتُ بِالْإِصْرَارِ، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، وَالتَّسْوِيفِ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ هُوَ الْأَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ قَدْ يَنْتَهِي قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ بِالرَّيْنِ، وَالْخَتْمِ، وَإِحَاطَةِ الْخَطِيئَةِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَرَاجِعْ تَفْسِيرَ {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [2: 7] وَتَفْسِيرَ {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [2: 81] مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ وَسَنُعِيدُ بَيَانَهُ أَيْضًا. وَكَمْ غَرَّتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ النَّاسَ وَجَرَّأَتْهُمْ عَلَى الْإِصْرَارِعَلَى الذُّنُوبِ، وَالْآثَامِ، وَأَوْهَمَتْهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَضُرُّهُ أَنْ يُصِرَّ عَلَى الْمَعَاصِي طُولَ حَيَاتِهِ إِذَا تَابَ قَبْلَ بُلُوغِ رُوحِهِ الْحُلْقُومَ، فَصَارَ الْمَغْرُورُونَ يُسَوِّفُونَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى يُوبِقَهُمُ التَّسْوِيفُ، فَيَمُوتُوا قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ التَّوْبَةِ، وَمَا يَجِبُ أَنْ تُقْرَنَ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ النَّفْسِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، كَمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَآيَاتٍ أُخْرَى فِي مَعْنَاهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [20: 82] وَقَوْلِهِ فِي حِكَايَةِ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينِ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [40: 7] وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَالْآثَارِ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ إِلَى مَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ. كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ: إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْنُطَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ، وَيَيْأَسَ مِنْ قَبُولِهِ إِيَّاهُ إِذَا هُوَ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا خَوْفَ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ التَّمَادِي فِي الذُّنُوبِ إِذَا هُوَ تَابَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ؛ فَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِهَدْيِ كِتَابِ اللهِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا آنِفًا، وَلِسُنَنِهِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَفْسَهُ تَتَدَنَّسُ بِالذُّنُوبِ بِالتَّدْرِيجِ، فَإِذَا طَالَ الْأَمَدُ عَلَى مُزَاوَلَتِهَا لَهَا تَتَمَكَّنُ فِيهَا، وَتَرْسَخُ، فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِتَزْكِيَتِهَا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ يُنَاسِبُ زَمَنَ الدَّنَسِ مَعَ تَرْكِ أَسْبَابِ الدَّنَسِ، وَأَمَّا التَّرْكُ وَحْدَهُ فَلَا يَكْفِي، كَمَا إِذَا وَرَدَتِ الْأَقْذَارُ، وَالْأَدْنَاسُ الْحِسِّيَّةُ عَلَى ثَوْبٍ زَمَنًا طَوِيلًا، فَإِنَّهُ لَا يُنَظَّفُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهَا عَنْهُ. عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ إِذَا تَكَرَّرَتْ تَصِيرُ عَادَاتٍ تَمْلِكُ عَلَى النَّفْسِ أَمْرَهَا حَتَّى تَصِيرَ التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ مِنْ أَعْسَرِ الْأُمُورِ وَأَشَقِّهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِبَارَةً عَنِ اقْتِلَاعِ الْمَلَكَاتِ الَّتِي تَكَيَّفَ بِهَا الْمَجْمُوعُ الْعَصَبِيُّ، فَمَا أَخْسَرَ صَفْقَةَ الْمُسَوِّفِينَ الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ بِكَلَامِ أَسْرَى الْعِبَارَاتِ وَغَيْرِ الْمُفَسِّرِينَ!
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ التَّوْبَةَ، وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَهَا، وَحَالَهَا تَرْغِيبًا فِيهَا، وَتَنْفِيرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِمَا شَدَّدَ فِي شَرْطِ قَبُولِهَا، وَفِيهِ إِرْشَادٌ لِأَوْلِيَاءَ الْأَمْرِ إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ مَعَ الْعُصَاةِ فِي مُعَاقَبَتِهِمْ، وَتَأْدِيبِهِمْ، فَإِنَّهُ فَرَضَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مُعَاقَبَةَ أَهْلِ الْفَوَاحِشِ، وَأَمَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ تَابَ بِشَرْطِ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ. وَكَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ شَرْحٌ لِذَلِكَ الْإِصْلَاحِ أَيْ إِنْ تَابُوا مِثْلَ هَذِهِ التَّوْبَةِ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، وَكُفُّوا عَنْ عِقَابِهِمْ.
وَيَذْكُرُونَ هَاهُنَا مَسْأَلَةَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاحِ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ قَبُولَ هَذِهِ التَّوْبَةِ عَلَى اللهِ تَعَالَى لَيْسَ بِإِيجَابِ مُوجِبٍ لَهُ سُلْطَةٌ يُوجِبُ بِهَا عَلَى اللهِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ! وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَمَالِ الَّذِي أَوْجَبَهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ بِمَشِيئَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا ظَاهِرُهُ وُجُوبُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عَلَى اللهِ قَدْ جَاءَتْ عَلَى طَرِيقِ الْعَرَبِ فِي التَّخَاطُبِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ مَالَهُ مِنْ دَافِعٍ، وَلَكِنْ بِإِيجَابِ اللهِ تَعَالَى لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ عَاقِلٌ أَنَّ قَانُونًا يَحْكُمُ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ. فَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيًّا ظَاهِرًا لَا تَكَلُّفَ فِيهِ.
وَالسُّوءُ هُوَ الْعَمَلُ الْقَبِيحُ، وَالْجَهَالَةُ: تَصْدُقُ بِمَعْنَى السَّفَاهَةِ، وَبِمَعْنَى الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ، فَالسَّفَاهَةُ إِنَّمَا سُمِّيَتْ سَفَاهَةً لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَجْهَلُ عَاقِبَتَهَا الرَّدِيئَةَ، أَوْ يَجْهَلُ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ هُنَا: الْعِصْيَانُ، وَالْمُخَالَفَةُ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْجَهَالَةِ لِبَيَانِ قُبْحِهِ، وَلِتَضَمُّنِهِ لِلْجَهَالَةِ، وَتَنْزِيلِ الْعَاصِي مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَدَمُ الْعِلْمِ التَّامِّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عَمَلِ السُّوءِ مِنَ الْعِقَابِ لَا تَعَمُّدُ الْعِصْيَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاقِصَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الذُّنُوبِ، وَوَجْهِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ عَلَيْهَا، وَدَرَجَةِ ذَلِكَ الْعِقَابِ وَتَحَتُّمِهِ يَقَعُ فِي الذَّنْبِ، وَيَعْمَلُ السُّوءَ بِاخْتِيَارِهِ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَمِلَ مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالنَّفْعُ لِنَفْسِهِ، كَاللِّصِّ يَعْلَمُ أَنَّ السَّرِقَةَ مُحَرَّمَةٌ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْعِقَابَ عَلَيْهَا حَتْمٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ احْتِمَالَاتٍ مِنَ الْعِلْمِ النَّاقِصِ تُشَكِّكُهُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ وَعِيدِ السَّارِقِ، كَشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَالْجِيرَانِ الصَّالِحِينَ، وَكَاحْتِمَالِ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَكَالْمُكَفِّرَاتِ. فَإِذَا عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ يَسْرِقُهُ، وَتَذَكَّرَ الْوَعِيدَ عَلَى السَّرِقَةِ يَنْتَصِبُ فِي ذِهْنِهِ مِيزَانُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الِانْتِفَاعِ الْعَاجِلِ بِمَا يَسْرِقُهُ، وَالْعِقَابِ الْآجِلِ عَلَى هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ فِي الْعِقَابِ رَجَحَتْ كِفَّةُ دَاعِيَةِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَسْرُوقِ يَقِينِيٌّ، وَالْعِقَابَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَهَكَذَا شَأْنُ الْإِنْسَانِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ نَفْعَهُ لَهُ وَرُجْحَانَهُ عَلَى مُقَابِلِهِ إِنْ خَطَرَ فِي بَالِهِ الْمُقَابِلُ، فَعَلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَمَلَ السُّوءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا مَعَ التَّلَبُّسِ بِالْجَهْلِ، وَعَدَمِ إِقَامَةِ الْمِيزَانِ الْقِسْطِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَهُوَ لَا يَرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةَ إِلَّا جَهْلًا بِحَقِيقَةِ الْوَعِيدِ، أَوْ مُتَأَوِّلًا لَهُ يُمَثِّلُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ انْتِظَارِ الشَّفَاعَةِ، وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ مَغْلُوبًا بِشَهْوَةٍ، أَوْ بِغَضَبٍ، فَإِذَا زَالَتِ الْجَهَالَةُ عَنْ قَرِيبٍ فَتَابَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ مَقْبُولَةً حَتْمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّمَنِ الْقَرِيبِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ هُوَ أَنْ يَتُوبَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَالْأَمَلِ فِي الْحَيَاةِ. وَعَنِ ابْنِ جَرِيرٍ هُوَ أَنْ يَتُوبَ وَهُوَ مُدْرِكٌ يَعْقِلُ، وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ: أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ مَا مِثَالُهُ مَعَ بَسْطٍ وَإِيضَاحٍ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَوِيَّ الْإِيمَانِ بِحَيْثُ لَا تَقَعُ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُ إِلَّا عَنْ بَادِرَةِ غَضَبٍ، أَوْ شَهْوَةٍ، أَوْ جَهْلٍ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ تَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ، فَهُوَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ عَمَلُ السُّوءِ إِلَّا هَفْوَةً بَعْدَ هَفْوَةٍ، وَلَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى التَّوْبَةِ؛ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ السُّوءَ مُفْرَدًا، وَقَالَ فِيمَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ: يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ بِالْجَمْعِ، فَأَشْعَرَنَا أَنَّ التَّوْبَةَ إِنَّمَا تُقْبَلُ حَتْمًا مِمَّنْ تَقَعُ الذُّنُوبُ مِنْهُمْ أَفْذَاذًا، وَيُلِمُّ وَاحِدُهُمْ بِهَا إِلْمَامًا، وَلَكِنَّهُ لَا يُصِرُّ عَلَيْهَا، بَلْ يُبَادِرُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا، ثُمَّ قَدْ يَطُوفُ بِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ طَائِفٌ آخَرُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَيَعُودُ ثَانِيَةً إِلَى الْعِصْيَانِ، وَيُتْبِعُهُ التَّوْبَةَ وَالْإِحْسَانَ فَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْسِهِ ظُلْمَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْخَطِيئَةُ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ قَرِيبٍ} بِالْقُرْبِ مِنْ زَمَنِ الذَّنْبِ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ اللَّفْظِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْمُذْنِبُ التَّائِبُ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ عَارِفٌ بِتَحْرِيمِ الذَّنْبِ وَلَكِنْ تُلِمُّ بِهِ تِلْكَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُحْدِثُ الرُّعُونَةَ فِي الْإِرَادَةِ، فَيَقَعُ فِي الذَّنْبِ، ثُمَّ يَثُوبُ إِلَيْهِ عِلْمُهُ فَيُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ فَيَتُوبُ. وَرَجُلٌ وَقَعَ فِي الذَّنْبِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَلَكِنَّهُ عَلَى جَهْلِهِ بِبَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ لَيْسَ رَاضِيًا بِجَهْلِهِ، وَلَا مُهْمِلًا لِأَمْرِ دِينِهِ، بَلْ هُوَ يَبْحَثُ وَيَسْأَلُ وَيَتَعَلَّمُ فَلَا يَطُولُ عَلَيْهِ الْأَمَدُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا كَانَ أَلَمَّ بِهِ مُحَرَّمٌ فَيَتُوبُ مِنْهُ حَالًا. فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ. فَالْقُرْبُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، فَمَنْ أَصَرَّ عَلَى عَمَلِ السُّوءِ زَمَنًا طَوِيلًا لِجَهْلِهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ، ثُمَّ عَلِمَ فَتَابَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، وَقَدْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَنِ الْعِلْمِ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ وَأَرْكَانِهَا.
أَقُولُ: إِنَّ هَاهُنَا شَيْئًا يَجِبُ تَدَبُّرُهُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يَعْمَلُ السُّوءَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ سُوءٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَعْمَلُهُ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ لَا تَتَدَنَّسُ نَفْسُهُ بِالْعَمَلِ، وَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ الزَّمَنُ، أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْعَمَلُ مُجَرِّئًا لَهَا عَلَى الْمَعَاصِي مُوَطِّنًا لَهَا عَلَى الشُّرُورِ، فَإِذَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَهُ مِنَ السُّوءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ ضَارٌّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ دِينًا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَبَبَ تَحْرِيمِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ غَالِبًا أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ حَالًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَلِفَهُ؛ فَإِنَّهُ مَا أَلِفَهُ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِي نَظَرِهِ، فَمَلَكَةُ اخْتِيَارِ الْحَسَنِ، وَإِيثَارِهِ عَلَى السَّيِّئِ تَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةَ عَلَيْهِ الْمُصَرِّفَةَ لِإِرَادَتِهِ، فَلِذَلِكَ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مِنْ قَرِيبٍ مَتَى جَاءَ الْعِلْمُ الصَّحِيحُ، كَمَا سَهُلَ عَلَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْفَضَائِلِ، وَالْفَوَاضِلِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الشَّرِّ- عَلَى نُشُوئِهِمْ فِي الْوَثَنِيَّةِ، وَعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ- فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ ذَوِي سَلَامَةٍ فِي الْفِطْرَةِ، وَحُبٍّ لِلْخَيْرِ، وَبُغْضٍ لِلشَّرِّ، وَمَا كَانَ يَنْقُصُهُمْ إِلَّا الْعِلْمُ الصَّحِيحُ بِحَقِيقَةِ الْحَسَنِ، وَالْقَبِيحِ، وَكُنْهِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْإِسْلَامُ سَارَعُوا إِلَيْهِ، وَكَانُوا أَكْمَلَ النَّاسِ بِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ يُنَازِعُ فِي كَوْنِ مَنْ يَعْمَلُ السُّوءَ جَاهِلًا أَنَّهُ سُوءٌ مُرَادًا مِنَ الْآيَةِ، وَيَرَى أَنَّ رُجُوعَهُ عَمَّا كَانَ عَمِلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ سُوءًا لَا يُسَمَّى تَوْبَةً، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ: وَالتَّعْبِيرُ بِالسُّوءِ إلخ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ اخْتَارَ كَوْنَ لَفْظِ الْجَهَالَةِ عَامًّا يَشْمَلُ عَدَمَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ السُّوءَ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سُوءٌ، وَيُصِرُّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ هَوَى نَفْسِهِ، وَيُؤْثِرُ إِرْضَاءَ شَهْوَتِهَا وَغَضَبِهَا عَلَى رِضْوَانِ اللهِ، وَمَنْفَعَةِ عِبَادِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي تَضْرَى نَفْسُهُ بِالشَّرِّ وَتَأْنَسُ بِالسُّوءِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مَلَكَةً لَهَا مُصَرِّفَةً لِإِرَادَتِهَا فِي أَعْمَالِهَا حَتَّى تَصِلَ الدَّرَكَةَ الَّتِي تَتَعَذَّرُ مَعَهَا التَّوْبَةُ، وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ بِالْخَتْمِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَالرَّيْنِ عَلَيْهَا، وَالطَّبْعِ عَلَيْهَا، وَإِحَاطَةِ الْخَطِيئَةِ بِهَا، وَضَرَبَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ النُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ آنِفًا وَمِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَقَدْ سُئِلْتُ مَرَّةً: لِمَاذَا لَمْ تَفْسَدْ أَخْلَاقُ الْيَابَانِيِّينَ، وَتَنْحَطَّ هِمَمُهُمْ، وَتَصْغُرْ نُفُوسُهُمْ مَعَ فُشُوِّ الزِّنَا فِيهِمْ؟ فَقُلْتُ: لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَهُ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ دِينًا، وَلَا قُبْحَهُ عَقْلًا؛ وَلِذَلِكَ يَكُونُ ضَرَرُهُ فِي الْأَخْلَاقِ قَلِيلًا، وَلَكِنَّ ضَرَرَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَنَعُودُ إِلَى كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ قَالَ مَا مِثَالُهُ: إِنَّهُمْ يُقَسِّمُونَ التَّائِبِينَ إِلَى طَبَقَاتٍ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ عَرِيقٌ فِي الشَّرِّ كَأَنَّهُ عُجِنَ بِطِينَتِهِ؛ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةَ تَسْبِقُ فِيهِ الشَّهَوَاتِ الْعَقْلِيَّةَ، فَهُوَ يَأْلَفُ الشَّهَوَاتِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَجِيءُ الْعَقْلُ لِيَضَعَ لِتِلْكَ الشَّهَوَاتِ النِّظَامَ وَالْقَوَانِينَ، وَالْعِلْمَ بِمَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ هِدَايَةِ الدِّينِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، فَكُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ هَفْوَةٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِفَ الْعَقْلُ وَيَفْقَهَ أَسْرَارَ النَّقْلِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ كَبِيرُ النَّفْسِ، عَالِي الِاسْتِعْدَادِ إِذَا وَقَعَ فِي الْخَطِيئَةِ مَرَّةً كَانَ لَهُ مِنْهَا أَكْبَرُ عِبْرَةٍ، وَهُوَ لَا يَقَعُ فِيهَا إِلَّا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ عَوَاقِبِهَا وَمُصَوِّرًا إِيَّاهَا بِصُورَةٍ أَحْسَنَ مِنْ صُورَتِهَا، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَ الشَّيْءِ قُبَيْلَ الدُّخُولِ فِيهِ، فَإِذَا أَلَمَّ الْعَاقِلُ السَّلِيمُ الْفِطْرَةِ بِالذَّنْبِ، وَذَاقَ لَذَّتَهُ عَرَفَ حَقِيقَتَهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَعُودُ إِلَيْهِ عِلْمُهُ الَّذِي حَجَبَتْهُ عَنْهُ الشَّهْوَةُ، وَيَقْوَى فِي نَفْسِهِ مَا كَانَ ضَعُفَ مِنْ نُورِ الْبَصِيرَةِ، فَيُوَازِنُ بَيْنَ هَذِهِ اللَّذَّةِ، وَبَيْنَ قُبْحِ الْمَعْصِيَةِ، وَمَا لَهَا مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، فَيَظْهَرُ لَهُ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ، وَسُوءِ اخْتِيَارِهِ مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ إِذَا عَادَ إِلَى ذَلِكَ، وَاعْتَادَهُ وَعُرِفَ بِهِ فَيَنْدَمُ، وَيُقْلِعُ عَنْ هَذَا الذَّنْبِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَيَصْرِفُهَا عَنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَكُونُ دَاعِيَةُ الشَّهْوَةِ أَقْوَى فِي نُفُوسِهِمْ، وَأَرْسَخُ، فَكُلَّمَا أَطَاعُوهَا فِي مَعْصِيَةٍ قَامَتِ الْخَوَاطِرُ الْإِلَهِيَّةُ تُحَارِبُهَا بِلَوْمِ صَاحِبِهَا، وَتَوْبِيخِهِ حَتَّى تَنْتَصِرَ عَلَيْهَا، وَتَقْهَرَهَا قَهْرًا لَا تَقُومُ لَهَا بَعْدَهُ قَائِمَةٌ، وَهَؤُلَاءِ يُعَدُّونَ مِنَ التَّوَّابِينَ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ تَقْوَى بِالْمُجَاهَدَةِ عَلَى اجْتِنَابِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ إِلَّا اللَّمَمَ فَتَكُونُ الْحَرْبُ فِي نُفُوسِهِمْ سِجَالًا بَيْنَ مَا يُلِمُّونَ بِهِ مِنَ الضَّمَائِرِ، وَبَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي هِيَ جُنْدُ الْإِيمَانِ.